إذا كان الإنسان حيوانًا ناطقًا، ففي بلاد الأفريكان الإنسان حيوانٌ راقص … الرقص هناك على «البهلي»، وعلى عينك يا تاجر، واللي ما يتفرج يشوف. الراديو يرقص كثيرًا ويتكلم قليلًا، والأخبار هناك على فتراتٍ بعيدة والكلام بحساب. وتمثيلية واحدة فقط في اليوم ثم الموسيقى الراقصة على ودنه، وحتى التمثيلية الواحدة بطلها راقص وغلبان وصدمان، وواقع في حب رقَّاصة، وليس الإنسان وحده هو الذي يرقص، كل شيء هناك يرقص حتى الشجر والبيوت. فعندما تهب الريح من المحيط الأطلسي على الساحل تتراقص أشجار جوز الهند الجميلة الرشيقة، فتبدو وكأنها بنتٌ حلوة شعرها منكوش! وبيوت الساحل كلها أكواخ، وهي الأخرى ترقص عندما تهبُّ الريح، فيُخيَّل إليك أن ساحل غانا كله حاضر في حفلةٍ راقصة ليس لها مثيل. وفي الليل يتحول ساحل غانا كله إلى فرقة موسيقية تصدر ألحانًا غايةً في الغرابة، وغاية في الإرعاب. ملايين من الضفادع، وكل ضفدعة وضفدع في حجم القطة. وهات يا شخر ويا نخر، وبصوتٍ أعوذ بالرحمن الرحيم!
ولكن الغريب أنها متناسقة، يضمُّها إطار من الهارموني، وتَسمع قطَعًا موسيقيةً غايةً في الحلاوة والجمال، وكأنها الفرقة الضفدعية بقيادة أحمد فؤاد ضفدع!
كنت في شارعٍ مرةً أسأل عن مكان، واتجهْت إلى شابٍّ مهيب المنظر كأنه ضابط في جيش هانيبال، له لحية ولا لحية ثائر من كوبا، محترم ولا البابا بيوس، وعندما بدأ يُجيب على سؤالي، انبعثَت الموسيقى فجأةً من جهاز راديو قريب، فأهملني وأهمل سؤالي ونزل رقص يا ميت ندامة، كأنه جعان جوع الإبل لم يذق رقصًا منذ عام.
عمنا محمود السعدني - كتاب السعلوكي في بلاد الافريكي